بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إن الحمد لله نحمده ونستعين به ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له
ومن يضلل فلا هادى له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله
اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
كيف تسيطر على نفسك ؟
ليس أشق على الإنسان من مجاهدة النفس وتغيير مرذول طباعها وتحليتها بمكارم الأخلاق وحسن
العادات وفضائل السلوك، قال تعالى : ( وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)، وقال عليه الصلاة
والسلام: ( ليس الشديد بالصرعة ولكن الشديد من يملك نفسه عند الغضب)،
وقال الشاعر :
لولا المشقة ساد الناس كلهمو ** الجود يفقر والإقدام قتّال
وكل سلوك شخصي أو نمط خلقي وراءه خصيصة نفسية منظمة له ودافعة إليه، وحتى يستطيع الإنسان
أن يتحكم في سلوكياته ويرتقي بأخلاقه ويضبط تصرفاته، فلا بد أن يلتفت قبل ذلك إلى الدوافع
والخصائص النفسية، فما كان منها وراء السلوك المعوج والخلق الذميم فيعرضه لعملية التهذيب والتقليم
والقلع والإزالة.
وما كان يطمح إليه من خلق نبيل وسلوك سوي قويم فَلْيَسْعَ إلى إيجاد وتنمية الدوافع والخصائص النفسية
الموجهة له يوجدها إن لم تكن موجودة وينميها إن كانت موجودة لكنها ضعيفة، وهذا ولا شك عملية
شاقة وقد تكون مؤلمة ؛ لأنها تهديد وتغيير للواقع النفسي والسلوكي والأخلاقي، والنفسي تقاوم أي
تغيير أو تهديد لواقعها مهما كان هذا الواقع ؛ لأنه مرتبط بقناعات عقدية أو فكرية أو لذات وأفراح قلبية
أو بدنية أو عادات مستحكمة ؛ ولهذا فبداية التغيير تكون من الأساسات التي قامت عليها هذه الأخلاق
والسلوكيات.
وبالمران والمجاهدة والإلحاح وتغيير القناعات العقلية والعمل الدؤوب تسلس النفس قيادها وتعطي
زمامها ويسهل حينئذٍ السيطرة عليها وتوجيهها باستمرار إلى الأفضل.
قال أحد العارفين : ما زلت أسوق النفس إلى الله وهي تبكي حتى سارات إليه وهي تضحك.
أفرض على نفسك رقابة ذاتية ومحاسبة دائمة في أفكارك وعاداتك وسلوكك وأخلاقك وحركاتك
وكلماتك (حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوا أعمالكم قبل أن توزنوا )، وإليك بعض الصور التي
تنقلت فيها النفس ويفقد الإنسان السيطر عليها أثناءها لعلك تحذر بعد ذلك هذه الصور.
بعض صور أنفلات النفس وعدم السيطرة عليها:
إنَّ سبب كل بلاء وشقاء هو انفلات النفس وعدم السيطرة عليها حتى يحجب الهوى العقل، ولهذا
الانفلات صور كثيرة لكني أورد أمثلة لهذا الانفلات ليحذر منها، وأحاول بعد ذلك أن أبين كيف يُمكن
مواجهة هذه الأمثلة :
1- التسويف في تنفيذ الأعمال والتأجيل لما يجب المبادرة إليه إيثاراً للدعة والسكون والراحة والركون.
2- التردد والاضطراب عند محاولة الإقدام على أي عمل تحت ستار الخوف من الفشل أو عدم العمل ما
لم يتوقع حصول النجاح الكامل يقيناً.
3- عدم تحمل النقد والغضب لأتفه الأسباب ، فإذا غضب حطم كل شيء ، لا يراعي أي عواقب أو
يحتسب لأي خسائر.
4- الشرود الذهني وعدم التركيز الفكري أثناء العمل.
5- تحميل النفس ما لا تطيق من العمل مما يؤدي إلى القلق والاضطراب وعدم تركيز الجهد وفقدان
التوازن.
6- عدم الثقة في النفس وفي القدرة على عمل أي شيء.
7- الممل والسأم وعدم الاستمرار في أي عمل.
وهذه بعض المعالجات لهذه الصور السابق ذكرها التي يبتلى بها بعض الناس في حياتهم.
كيف تقلل من السلبية في حياتك والتسويف في إنجاز أعمالك ؟
1- خذ قدراً كافياً من النوم بدون إسراف، وحبذا لو نمت مبكراً على وضوء.
2- استيقظ مبكراً ولا تكثر من التململ في فراشك.
3- لا تفوتك صلاة الفجر في وقتها مع الجماعة.
4- لا تنس أذكار الصباح فهي مفتاح السعادة ليومك.
5- خطط برنامجك اليومي في هدوء ، وحبذا لو أعدت النظر فيه مرة أخرى وتمتع قليلاً بالتأمل في
أكثر فقراته متعه لك.
6- احرص على تنويع برنامجك وعلى أن يكون فيه أشياء محببة إليك، وتتوقع أن تحقق فيه نسبة عالية
من النجاح وحاول أن تبدأ بها.
7- انطلق لتنفيذ برنامجك مبتدئاً بدعاء الخروج ودعاء الركوب إن ركبت في ذهابك لعملك.
8- ابتسم إلى كل من تلقاه من إخوانك في يومك بعد إلقاء السلام عليه.
9- احرص على إنجاز عملك أولاً بأول بحيث تتمكن من إنهاء برنامجك مع نهاية يومك لا يبقى منه
شيء للغد.
10- إذا عدت لمنزلك فداعب من تلقاه من أهلك وأطفالك ، وحبذا لو أحضرت لهم بعض الهدايا وكافيء
من حقق منهم نجاحاً في يومه ولو بكلمة وشجع من أخفق وساعده على تجاوز إخفاقه.
11- ضمِّن برنامج وقتاً للراحة والاسترخاء أو النزهة وإن قل.
12- شارك الجيران والأصدقاء والأقارب في مناسباتهم الاجتماعية بالطريقة المناسبة.
مواجهة التردد والاضطراب:
1- تأمل في الحياة بعين البصيرة لتعلم يقيناً أن الدنيا لا كمال فيها، ولكن ما غلب صلاحه على نقصه فهو
غاية ما يطلب في الحياة.
وهذا هو التفكير الواقعي الحق وليس وراءه إلاَّ العيش في الخيالات والأوهام.
2- تذكر دائماً أن المطلوب منك والمقدور لك هو العمل وبذل الأسباب، أمَّا النتائج النهائية فهي بيده الله
سبحانه وتعالى.
3- اقرأ سير العظماء وفتش في حياتهم لترى أن فيها نقصاً وفشلاً وليست كلها نجاحات.
4- قم بعملية حصر واستقراء لما فيك من صفات كما وقوة ليظهر لك بعض نعم الله عليك ولتعلم أن فيك
غير صفات الضعف والنقص.
5- استذكر الأنشطة والأعمال التي حققت فيها نجاحاً علياً وعاود هذا الاستذكار كلما شعرت بالتردد
والإحباط والاضطراب.
6-إن كنتَ تنشد الكمال والمثالية فإن طريق ذلك هو العمل ومحاولة الوصول وليس التوقف والانتظار.
7-استخدم عقلك ووازن بين الأمرين إما أن تعمل شيئاً أي شيء أو لا تعمل على الإطلاق ، وتأمل أيهما
أفضل فليس أمامك خيار ثالث.
8- إذا تعرضت للفشل في بعض أعمالك فقل : قدر الله وما شاء فعل وإنا لله وإنا له راجعون ولا حول
ولا قوة إلا بالله، اللهم أجرني في مصيبتي واخلفني خيراً منها.
واحتسب ما أصابك عند ربك واستغفر لذنبك.
ثم قم بدراسة أسباب الفشل في هدوء وطمأنينة وكرر المحاولة مرة أخرى ما لم ترى الانصراف لعمل
آخر.
التعامل مع النقد :
لا شك أن الإنسان في مسيرة حياته يلقى محباً ومبغضاً ومؤيداً وناقداً، والنقد يختلف باختلاف أهداف
ودوافع من صدر منه، فيمكن أن يصدر من عدو أو صديق قريب أو بعيد.
والواجب على الإنسان أن يعوِّد نفسه على الحِلمْ وسعة الصدر، والصبر على الأذى، وعدم الغضب
لأتفه الأسباب، وإذا غضب أن يكون متحكماً فيه وإلاّ لضر الإنسان نفسه قبل غيره ولنشر حوله أجواء
من الكراهية والتوجس وصادر آراء الآخرين وحريتهم في التعبير عنها، وفي ذلك من الضرر
الاجتماعي ما لا يوصف.
ويُمكن أن يقسم النقد إلى قسمين :
أ) نقد بناء موضوعي :
وهو الذي يخلو من التجريح الشخصي، ويركز على جوانب النقص في العمل بدون مبالغة ويبين كيفية
استكمالها ويشيد بجوانب الكمال في العمل.
المواقف من النقد البناء :
1- إيجاد الأجواء المناسبة والمشجعة على النقد البناء.
2- الفرح والترحيب به والبحث عنه ( رحم الله من أهدى لنا عيوبنا).
3- النظر فيه بإمعان وروية مع غض النظر عن قائله.
4- السعي لاستكمال النقص وتصويب الأخطاء التي اشار إليها الناقد.
ب) نقد ظالم مغرض :
وهو الذي يستغل النقص في العمل لمصادرة العمل بالكلية والنيل ممن قام به وتجريحه والتشفي منه
ورميه بما ليس فيه مع عدم الاهتمام بتصويب العمل أو التبني لما فيه من كمال وحق.
الموقف من النقد الظالم :
1- محاولة معرفة أسباب هذه النقد ( حسد – أنانية – خوف من العمل – انتصار للنفس وأخذ بالثأر –
أو غير ذلك ).
2- السعي لإزالة الأسباب إن أمكن ذلك.
3- معرفة الأهداف من النقد وإحسان التعامل معها.
4- عدم الاشتغال بالرد على النقد إلاّ بقدر ما قد يعيق العمل أو يشوه صورته.
5- عدم الانشغال بالانتصار للنفس وترك العمل ونسيانه.
6- الاستفادة من النقد في تصويب العمل وإصلاحه ومعالجة جوانب النقص فيه.
7- احتساب الإنسان ما يصيبه من الأذى وما يتعرض له من النقد عند الله سبحانه وتعالى.
وليتذكر الإنسان دائماً قوله سبحانه وتعالى : ( فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ ) [الرعد: 17]، فما كان لله يبقى ويدوم وما كان لغيره يذهب ويزول.
المصدر/ كتاب " حتى لا تكون كلاً"
عوض بن محمد القرني